تثير التطورات الأمنية الميدانية على جبهة مكافحة الإرهاب في الجزائر
وسقوط تنظيم “جند الخلافة” السريع الكثير من الأسئلة حول سبب الانهيار
السريع لهذا التنظيم الإرهابي الذي سارع لمبايعة تنظيم الدولة الإسلامية
“داعش” في الجزائر، لكنه فشل في تنفيذ أية عملية إرهابية كبيرة على مدى 7
أشهر.
السؤال الذي يبحث الجميع عن إجابة له هو: “متى وأين ستكون الضربة القادمة لتنظيم “جند الخلافة” ردا على مقتل أميره عبد المالك ڤوري. ومنذ شهر ديسمبر 2014، وبدل انتظار الضربة القادمة قررت المصالح الأمنية المكلفة بمحاربة الإرهاب اعتماد إستراتيجية جديدة لجعل قيادات الإرهاب تركز نشاطها في محاولة استيعاب ضربات الأمن المتلاحقة.
ميزان الرعب
يدرك كبار القادة الأمنيين أن الإرهابيين يرغبون في فرض قاعدة “ميزان الرعب” التي تتضمن الرد على أية عملية استهداف لقيادات الإرهاب بعمليات دموية، وهذا ما يفسر، حسب مصدر أمني رفيع، الحرص الشديد لمصلحة مكافحة الإرهاب المشهورة بـ«سكورات” على توجيه سلسلة من الضربات المتوالية ضد ما يعرف بـ«داعش الجزائر” أو “جند الخلافة”، حتى لا يجد الإرهابيون وقتا للتفكير في العملية الدموية التالية.
«جند الخلافة” يفقد 16 عنصرا في 7 أشهر
أشار تسريب أمني صدر في شهر سبتمبر 2014 إلى أن جماعة “جند الخلافة” تتكون من أعضاء من كتائب الوسط في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وقال التسريب الذي لم تؤكده مصادر رسمية إن عدد عناصر هذه الجماعة يتراوح بين 10 و50 مقاتلا، آنذاك. وظهر في شريط فيديو أصدرته الجماعة الإرهابية عدد من الإرهابيين لا يتعدى الـ20، منهم مفتي التنظيم المدعو “عثمان العاصمي”، ثم أكدت تقارير وبيانات الجيش الوطني الشعبي وتسريباته المتعلقة بتصفية قيادات الصف الأول في هذا التنظيم الإرهابي، الذي تبنى في سبتمبر 2014 اختطاف متسلق الجبال الفرنسي هيرفي غوردال، أن جماعة “جند الخلافة” كانت مجرد جماعة إرهابية أقرب في “أدائها الأمني” للهواة، رغم أنها تتكون من إرهابيين عملوا تحت قيادة إمارة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لسنوات طويلة.
لكن متابعين للشأن الأمني في الجزائر أكدوا أن “الانهيار” السريع والظاهر لجماعة عبد المالك ڤوري الإرهابية له أسباب موضوعية، تتعلق بالأداء الأمني لها من جهة، وبالجهد الكبير الذي بذله أفراد فرقة “الصيادين” التي باشرت عملية مطاردة الإرهابيين مباشرة بعد اختطاف الرعية الفرنسي هيرفي غوردال. وقال مصدر أمني رفيع إن عدد عناصر جماعة جند الخلافة الذين تم القضاء عليهم أثناء المطاردات منذ منتصف شهر سبتمبر 2014 يفوق الـ16 إرهابيا، منهم 4 إرهابيين تم القضاء عليهم قبل أيام قليلة، كما تم القضاء على أمير التنظيم عبد المالك ڤوري قبل أيام من حلول عام 2015. وتعني لغة الأرقام أن التنظيم إما أن يكون قد فقد كل أعضائه باستثناء 4، أو أنه فقد 40 بالمائة من مجموع أعضائه الناشطين، وهو ما يعني أن الجماعة باتت فعليا خارج اللعبة الأمنية.
دروكدال ساعد الجيش!
التاريخ لا يعيد نفسه بالنسبة للإرهابي عبد المالك دروكدال؛ الرجل الذي التحق في سنة 1998 بالقائد السابق لـ«الجيا” حسان حطاب، متمردا على الإرهابي والأمير عنتر زوابري في منطقة
القبائل، وشارك في تأسيس الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي كان ميلادها بمثابة شهادة وفاة بالنسبة للجماعة الإسلامية المسلحة “الجيا”. أمير قاعدة المغرب فوجئ بعد 16 سنة بسيناريو مشابه وجديد، حيث قررت مجموعة من أتباعه تكرار السيناريو وتأسيس تنظيم “جند الخلافة”، لكن دروكدال قال “لا” وعمل على حصار جماعة عبد المالك ڤوري من خلال حرمان “جند
الخلافة”
من مناطق النشاط الآمنة، وهي المواقع الجبلية الحصينة التي تقع بولايتي
تيزي وزو وبجاية. ويقول مصدر أمني إن الجيش الوطني الشعبي لم يكن بحاجة
لحصار “جند الخلافة” من كل جهة، لأن جزءا من الحصار كان بيد التكفيريين
أنفسهم من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وبهذا باتت المواجهة
العسكرية بين “جند الخلافة” والجيش في مناطق أقل أمنا بالنسبة للإرهابيين
في أحراش ولايتي بومرداس والبويرة. ويبدو الحديث عن مساعدة قدمها عبد
المالك دروكدال للجيش الوطني الشعبي في مواجهة جماعة “جند الخلافة” غير
مفهوم، لكن الوقائع تؤكد أن أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي
لعب دورا في التضييق على عناصر “جند الخلافة”، لأنه لم يكن يتنازل عن مناطق
نشاط تنظيمه لصالح جماعة عبد المالك ڤوري وعثمان العاصمي.
ويقول مصدر أمني إن إرهابيي جند الخلافة اضطروا لمغادرة الكازمات والمخابئ التي كانوا فيها بعد تمردهم على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأنشأوا مخابئ جديدة على عجل منها “الكازما” التي قال الجيش إنه عثر على جثة غوردال بداخلها، وكانت قيادة جهاز مكافحة الإرهاب “سكورات” على علم بهذا التفصيل بالغ الأهمية. وكان خروج “جند الخلافة” من المخابئ الحصينة في سيدي علي بوناب وأعالي جرجرة إلى مناطق أقل تحصينا “أكبر هدية” يقدمها دروكدال للجيش.
العملية الأمنية كانت على قدر كبير من الابتكار
قررت قيادة الجيش، للمرة الأولى منذ اندلاع الإرهاب في الجزائر، تنفيذ تكتيك جديد ضد “جند الخلافة”، وقد أثبت التكتيك الجديد فاعلية أدت إلى قلب الموازين في مجال مكافحة الإرهاب. يتلخص التكتيك في تنفيذ عملية تمشيط عسكرية كبرى في موقع ضد الإرهابيين يعقبها تنفيذ سلسلة من العمليات الأمنية، وتعتمد الفكرة على مبدأ مفاده إن الإرهابيين سيضطرون للخروج من مخابئهم أثناء عمليات التمشيط لكي يقعوا بسهولة فريسة للعمليات الأمنية.
ويعد دروكدال ومختار بلمختار أهدافا أكثر أهمية بالنسبة للمصالح الأمنية من عبد المالك ڤوري. هذه هي الحقيقة، حسب مصدر أمني رفيع، إلا أن عملية تعقب ڤوري تميزت بقدر من الابتكار سمح بوضع حد لأمير جند الخلافة. وقد كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة للقيادة العسكرية عندما قررت قيادة مكافحة الإرهاب تكليف ضابط يبلغ من العمر 40 سنة فقط بمتابعة وقيادة عملية ملاحقة عبد المالك ڤوري، وتم تحقيق الهدف بالقضاء على أمير جند الخلافة و4 من مساعديه، والوصول إلى جثة الرهينة الفرنسي هيرفي غوردال.
“جند الخلافة” تعود بالإرهاب20 سنة إلى الوراء
كان مقتل عبد المالك ڤوري أمير تنظيم “جند الخلافة”، على يد قوة أمنية خاصة في مكان شبه عمومي، نتيجة طبيعية للمغامرة التي قرر الإرهابي ڤوري خوضها عندما تنقل مرتين على الأقل إلى مناطق عمرانية حضرية، وهو ما جعل مسألة “صيده” عملية سهلة نوعا ما. وقد كرر أمير “جند الخلافة” الأخطاء نفسها التي ارتكبها أمراء “الجيا” قبل 20 سنة عندما سقطوا جميعا في مناطق حضرية، فالتنقل داخل أي مدينة بالنسبة لأمراء التنظيمات الإرهابية ممنوع لأنهم يصبحون عرضة للرصد. ولكن قبل هذا ارتكب تنظيم “جند الخلافة” أخطاء بالجملة، كان أبرزها تقديم تسجيل الفيديو الخاص بإعدام الرهينة الفرنسي هيرفي غوردال في زمن قياسي لم يتعد 24 ساعة بعد ذبحه، وهو ما لم تجرؤ على تنفيذه حتى المنظمات الإرهابية الأكثر قدرة من كل النواحي، والسبب هو أن نشر شريط فيديو على الأنترنت يؤدي إلى رصد جهاز الكمبيوتر الذي نشر منه التسجيل، وبالتالي تحديد هوية ناشر الفيديو في النهاية. وكان هذا خطأ على قدر كبير من “السذاجة”، حسب خبراء في الأمن، لأن الجماعات الإرهابية تخضع التسجيل للرقابة عدة مرات من أجل عدم تسريب أية معلومة يستقيها المحققون من الشريط، كما تلجأ إلى سلسلة من الإجراءات الأمنية قبل بث الفيديو، حيث يتنقل التسجيل من جهاز حاسوب إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تأخير نشر التسجيل لأيام أو حتى أسابيع.
الجماعة والظاهرة الإعلامية
بينما قدم تنظيم “جند الخلافة” نفسه كأحد فروع الدولة الإسلامية في شمال إفريقيا (داعش)، كان في الواقع موجودا وسط أسنان كماشة ثلاثية أطرافها هي مصالح الأمن والرفاق السابقون (القاعدة المغاربي) و«رعونة” قياداته التي أثبتت أنها حليف ضعيف لـ«داعش”. ويقول الدكتور تاج الدين هطار، الباحث في العلاقات الدولية من جامعة تونس: “يعتمد تنظيم “داعش” أو الدولة الإسلامية الذي بايعه تنظيم “جند الخلافة” في الجزائر على مبدأ نشر الصدمة والرعب عبر الاستغلال الأقصى للإعلام من أجل الانتشار، وباتت “داعش” ظاهرة إعلامية جديرة بالدراسة. ولكن الخطيئة التي وقع فيها “جند الخلافة” هي أنهم ركزوا أكثر مما يجب على الظهور الإعلامي، فتحوّلوا إلى ظاهرة إعلامية لا وجود لها عسكريا في الميدان، وباتت “جند الخلافة” مجرد مجموعة من أتباع البغدادي في الجزائر”. ويضيف الباحث “أعتقد أن الصدفة فقط والحظ العاثر للرهينة الفرنسي هيرفي غوردال هما اللذان أعطيا “جند الخلافة” هذا الزخم الإعلامي الذي تلاشى عندما واجهت المنظمة الجهاز الأمني والعسكري الجزائري”.
“الصيادون” يستثمرون أخطاء ڤوري وزملائه
قال بن قدور علام، رائد متقاعد من الجيش الوطني الشعبي عمل لسنوات في مكافحة الإرهاب، إن “السقوط المتوالي لإرهابيي جند الخلافة لابد وأن له سببا جوهريا، يتعلق بعدم وجود أية ترتيبات أمنية تحكم التنظيم الجديد”، وأضاف “أعتقد أن أكبر خطأ ارتكبه “جند الخلافة” هو اختطاف الرعية الفرنسي وقتله في وقت كان التنظيم غير جاهز لمثل هذا التحدي الأمني الكبير”. ويضيف الرائد بن قدور “لقد أقدم جند الخلافة على مغامرة كبرى وهو الآن يسدد الفاتورة”. وقدم محدثنا تفسيره للانهيار الأمني بأنه يعود إلى أن جند الخلافة كشفت كل أوراقها للأمن الجزائري نتيجة عمل على قدر كبير من الحماقة؛ وهو اختطاف الرهينة الفرنسي، رغم أن الجماعة لم تكن جاهزة لمثل هذه العملية التي تحتاج للانكشاف كليا على أجهزة الأمن.
وفسر مصدر أمني سبب تركيز الجيش وأذرعه الأمنية على بقايا جند الخلافة بالقول إن “الجماعة رغم الزلزال الأمني الذي تعرضت له في الأشهر الأخيرة مازالت قادرة على تهديد الأمن الوطني، ولهذا تتعرض للملاحقة على أعلى مستوى”. ويؤكد هذا أن التنظيم بات غير قادر على إدارة المواجهة الأمنية، لكنه قد يلجأ إلى “عمل يائس انتحاري” لتوجيه رسائل للخارج والداخل.
السؤال الذي يبحث الجميع عن إجابة له هو: “متى وأين ستكون الضربة القادمة لتنظيم “جند الخلافة” ردا على مقتل أميره عبد المالك ڤوري. ومنذ شهر ديسمبر 2014، وبدل انتظار الضربة القادمة قررت المصالح الأمنية المكلفة بمحاربة الإرهاب اعتماد إستراتيجية جديدة لجعل قيادات الإرهاب تركز نشاطها في محاولة استيعاب ضربات الأمن المتلاحقة.
ميزان الرعب
يدرك كبار القادة الأمنيين أن الإرهابيين يرغبون في فرض قاعدة “ميزان الرعب” التي تتضمن الرد على أية عملية استهداف لقيادات الإرهاب بعمليات دموية، وهذا ما يفسر، حسب مصدر أمني رفيع، الحرص الشديد لمصلحة مكافحة الإرهاب المشهورة بـ«سكورات” على توجيه سلسلة من الضربات المتوالية ضد ما يعرف بـ«داعش الجزائر” أو “جند الخلافة”، حتى لا يجد الإرهابيون وقتا للتفكير في العملية الدموية التالية.
«جند الخلافة” يفقد 16 عنصرا في 7 أشهر
أشار تسريب أمني صدر في شهر سبتمبر 2014 إلى أن جماعة “جند الخلافة” تتكون من أعضاء من كتائب الوسط في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وقال التسريب الذي لم تؤكده مصادر رسمية إن عدد عناصر هذه الجماعة يتراوح بين 10 و50 مقاتلا، آنذاك. وظهر في شريط فيديو أصدرته الجماعة الإرهابية عدد من الإرهابيين لا يتعدى الـ20، منهم مفتي التنظيم المدعو “عثمان العاصمي”، ثم أكدت تقارير وبيانات الجيش الوطني الشعبي وتسريباته المتعلقة بتصفية قيادات الصف الأول في هذا التنظيم الإرهابي، الذي تبنى في سبتمبر 2014 اختطاف متسلق الجبال الفرنسي هيرفي غوردال، أن جماعة “جند الخلافة” كانت مجرد جماعة إرهابية أقرب في “أدائها الأمني” للهواة، رغم أنها تتكون من إرهابيين عملوا تحت قيادة إمارة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لسنوات طويلة.
لكن متابعين للشأن الأمني في الجزائر أكدوا أن “الانهيار” السريع والظاهر لجماعة عبد المالك ڤوري الإرهابية له أسباب موضوعية، تتعلق بالأداء الأمني لها من جهة، وبالجهد الكبير الذي بذله أفراد فرقة “الصيادين” التي باشرت عملية مطاردة الإرهابيين مباشرة بعد اختطاف الرعية الفرنسي هيرفي غوردال. وقال مصدر أمني رفيع إن عدد عناصر جماعة جند الخلافة الذين تم القضاء عليهم أثناء المطاردات منذ منتصف شهر سبتمبر 2014 يفوق الـ16 إرهابيا، منهم 4 إرهابيين تم القضاء عليهم قبل أيام قليلة، كما تم القضاء على أمير التنظيم عبد المالك ڤوري قبل أيام من حلول عام 2015. وتعني لغة الأرقام أن التنظيم إما أن يكون قد فقد كل أعضائه باستثناء 4، أو أنه فقد 40 بالمائة من مجموع أعضائه الناشطين، وهو ما يعني أن الجماعة باتت فعليا خارج اللعبة الأمنية.
دروكدال ساعد الجيش!
التاريخ لا يعيد نفسه بالنسبة للإرهابي عبد المالك دروكدال؛ الرجل الذي التحق في سنة 1998 بالقائد السابق لـ«الجيا” حسان حطاب، متمردا على الإرهابي والأمير عنتر زوابري في منطقة
القبائل، وشارك في تأسيس الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي كان ميلادها بمثابة شهادة وفاة بالنسبة للجماعة الإسلامية المسلحة “الجيا”. أمير قاعدة المغرب فوجئ بعد 16 سنة بسيناريو مشابه وجديد، حيث قررت مجموعة من أتباعه تكرار السيناريو وتأسيس تنظيم “جند الخلافة”، لكن دروكدال قال “لا” وعمل على حصار جماعة عبد المالك ڤوري من خلال حرمان “جند

ويقول مصدر أمني إن إرهابيي جند الخلافة اضطروا لمغادرة الكازمات والمخابئ التي كانوا فيها بعد تمردهم على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأنشأوا مخابئ جديدة على عجل منها “الكازما” التي قال الجيش إنه عثر على جثة غوردال بداخلها، وكانت قيادة جهاز مكافحة الإرهاب “سكورات” على علم بهذا التفصيل بالغ الأهمية. وكان خروج “جند الخلافة” من المخابئ الحصينة في سيدي علي بوناب وأعالي جرجرة إلى مناطق أقل تحصينا “أكبر هدية” يقدمها دروكدال للجيش.
العملية الأمنية كانت على قدر كبير من الابتكار
قررت قيادة الجيش، للمرة الأولى منذ اندلاع الإرهاب في الجزائر، تنفيذ تكتيك جديد ضد “جند الخلافة”، وقد أثبت التكتيك الجديد فاعلية أدت إلى قلب الموازين في مجال مكافحة الإرهاب. يتلخص التكتيك في تنفيذ عملية تمشيط عسكرية كبرى في موقع ضد الإرهابيين يعقبها تنفيذ سلسلة من العمليات الأمنية، وتعتمد الفكرة على مبدأ مفاده إن الإرهابيين سيضطرون للخروج من مخابئهم أثناء عمليات التمشيط لكي يقعوا بسهولة فريسة للعمليات الأمنية.
ويعد دروكدال ومختار بلمختار أهدافا أكثر أهمية بالنسبة للمصالح الأمنية من عبد المالك ڤوري. هذه هي الحقيقة، حسب مصدر أمني رفيع، إلا أن عملية تعقب ڤوري تميزت بقدر من الابتكار سمح بوضع حد لأمير جند الخلافة. وقد كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة للقيادة العسكرية عندما قررت قيادة مكافحة الإرهاب تكليف ضابط يبلغ من العمر 40 سنة فقط بمتابعة وقيادة عملية ملاحقة عبد المالك ڤوري، وتم تحقيق الهدف بالقضاء على أمير جند الخلافة و4 من مساعديه، والوصول إلى جثة الرهينة الفرنسي هيرفي غوردال.
“جند الخلافة” تعود بالإرهاب20 سنة إلى الوراء
كان مقتل عبد المالك ڤوري أمير تنظيم “جند الخلافة”، على يد قوة أمنية خاصة في مكان شبه عمومي، نتيجة طبيعية للمغامرة التي قرر الإرهابي ڤوري خوضها عندما تنقل مرتين على الأقل إلى مناطق عمرانية حضرية، وهو ما جعل مسألة “صيده” عملية سهلة نوعا ما. وقد كرر أمير “جند الخلافة” الأخطاء نفسها التي ارتكبها أمراء “الجيا” قبل 20 سنة عندما سقطوا جميعا في مناطق حضرية، فالتنقل داخل أي مدينة بالنسبة لأمراء التنظيمات الإرهابية ممنوع لأنهم يصبحون عرضة للرصد. ولكن قبل هذا ارتكب تنظيم “جند الخلافة” أخطاء بالجملة، كان أبرزها تقديم تسجيل الفيديو الخاص بإعدام الرهينة الفرنسي هيرفي غوردال في زمن قياسي لم يتعد 24 ساعة بعد ذبحه، وهو ما لم تجرؤ على تنفيذه حتى المنظمات الإرهابية الأكثر قدرة من كل النواحي، والسبب هو أن نشر شريط فيديو على الأنترنت يؤدي إلى رصد جهاز الكمبيوتر الذي نشر منه التسجيل، وبالتالي تحديد هوية ناشر الفيديو في النهاية. وكان هذا خطأ على قدر كبير من “السذاجة”، حسب خبراء في الأمن، لأن الجماعات الإرهابية تخضع التسجيل للرقابة عدة مرات من أجل عدم تسريب أية معلومة يستقيها المحققون من الشريط، كما تلجأ إلى سلسلة من الإجراءات الأمنية قبل بث الفيديو، حيث يتنقل التسجيل من جهاز حاسوب إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تأخير نشر التسجيل لأيام أو حتى أسابيع.
الجماعة والظاهرة الإعلامية
بينما قدم تنظيم “جند الخلافة” نفسه كأحد فروع الدولة الإسلامية في شمال إفريقيا (داعش)، كان في الواقع موجودا وسط أسنان كماشة ثلاثية أطرافها هي مصالح الأمن والرفاق السابقون (القاعدة المغاربي) و«رعونة” قياداته التي أثبتت أنها حليف ضعيف لـ«داعش”. ويقول الدكتور تاج الدين هطار، الباحث في العلاقات الدولية من جامعة تونس: “يعتمد تنظيم “داعش” أو الدولة الإسلامية الذي بايعه تنظيم “جند الخلافة” في الجزائر على مبدأ نشر الصدمة والرعب عبر الاستغلال الأقصى للإعلام من أجل الانتشار، وباتت “داعش” ظاهرة إعلامية جديرة بالدراسة. ولكن الخطيئة التي وقع فيها “جند الخلافة” هي أنهم ركزوا أكثر مما يجب على الظهور الإعلامي، فتحوّلوا إلى ظاهرة إعلامية لا وجود لها عسكريا في الميدان، وباتت “جند الخلافة” مجرد مجموعة من أتباع البغدادي في الجزائر”. ويضيف الباحث “أعتقد أن الصدفة فقط والحظ العاثر للرهينة الفرنسي هيرفي غوردال هما اللذان أعطيا “جند الخلافة” هذا الزخم الإعلامي الذي تلاشى عندما واجهت المنظمة الجهاز الأمني والعسكري الجزائري”.
“الصيادون” يستثمرون أخطاء ڤوري وزملائه
قال بن قدور علام، رائد متقاعد من الجيش الوطني الشعبي عمل لسنوات في مكافحة الإرهاب، إن “السقوط المتوالي لإرهابيي جند الخلافة لابد وأن له سببا جوهريا، يتعلق بعدم وجود أية ترتيبات أمنية تحكم التنظيم الجديد”، وأضاف “أعتقد أن أكبر خطأ ارتكبه “جند الخلافة” هو اختطاف الرعية الفرنسي وقتله في وقت كان التنظيم غير جاهز لمثل هذا التحدي الأمني الكبير”. ويضيف الرائد بن قدور “لقد أقدم جند الخلافة على مغامرة كبرى وهو الآن يسدد الفاتورة”. وقدم محدثنا تفسيره للانهيار الأمني بأنه يعود إلى أن جند الخلافة كشفت كل أوراقها للأمن الجزائري نتيجة عمل على قدر كبير من الحماقة؛ وهو اختطاف الرهينة الفرنسي، رغم أن الجماعة لم تكن جاهزة لمثل هذه العملية التي تحتاج للانكشاف كليا على أجهزة الأمن.
وفسر مصدر أمني سبب تركيز الجيش وأذرعه الأمنية على بقايا جند الخلافة بالقول إن “الجماعة رغم الزلزال الأمني الذي تعرضت له في الأشهر الأخيرة مازالت قادرة على تهديد الأمن الوطني، ولهذا تتعرض للملاحقة على أعلى مستوى”. ويؤكد هذا أن التنظيم بات غير قادر على إدارة المواجهة الأمنية، لكنه قد يلجأ إلى “عمل يائس انتحاري” لتوجيه رسائل للخارج والداخل.

تثير التطورات الأمنية الميدانية على جبهة مكافحة الإرهاب في الجزائر
وسقوط تنظيم “جند الخلافة” السريع الكثير من الأسئلة حول سبب الانهيار
السريع لهذا التنظيم الإرهابي الذي سارع لمبايعة تنظيم الدولة الإسلامية
“داعش” في الجزائر، لكنه فشل في تنفيذ أية عملية إرهابية كبيرة على مدى 7
أشهر.
السؤال الذي يبحث الجميع عن إجابة له هو: “متى وأين ستكون الضربة القادمة لتنظيم “جند الخلافة” ردا على مقتل أميره عبد المالك ڤوري. ومنذ شهر ديسمبر 2014، وبدل انتظار الضربة القادمة قررت المصالح الأمنية المكلفة بمحاربة الإرهاب اعتماد إستراتيجية جديدة لجعل قيادات الإرهاب تركز نشاطها في محاولة استيعاب ضربات الأمن المتلاحقة.
ميزان الرعب
يدرك كبار القادة الأمنيين أن الإرهابيين يرغبون في فرض قاعدة “ميزان الرعب” التي تتضمن الرد على أية عملية استهداف لقيادات الإرهاب بعمليات دموية، وهذا ما يفسر، حسب مصدر أمني رفيع، الحرص الشديد لمصلحة مكافحة الإرهاب المشهورة بـ«سكورات” على توجيه سلسلة من الضربات المتوالية ضد ما يعرف بـ«داعش الجزائر” أو “جند الخلافة”، حتى لا يجد الإرهابيون وقتا للتفكير في العملية الدموية التالية.
«جند الخلافة” يفقد 16 عنصرا في 7 أشهر
أشار تسريب أمني صدر في شهر سبتمبر 2014 إلى أن جماعة “جند الخلافة” تتكون من أعضاء من كتائب الوسط في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وقال التسريب الذي لم تؤكده مصادر رسمية إن عدد عناصر هذه الجماعة يتراوح بين 10 و50 مقاتلا، آنذاك. وظهر في شريط فيديو أصدرته الجماعة الإرهابية عدد من الإرهابيين لا يتعدى الـ20، منهم مفتي التنظيم المدعو “عثمان العاصمي”، ثم أكدت تقارير وبيانات الجيش الوطني الشعبي وتسريباته المتعلقة بتصفية قيادات الصف الأول في هذا التنظيم الإرهابي، الذي تبنى في سبتمبر 2014 اختطاف متسلق الجبال الفرنسي هيرفي غوردال، أن جماعة “جند الخلافة” كانت مجرد جماعة إرهابية أقرب في “أدائها الأمني” للهواة، رغم أنها تتكون من إرهابيين عملوا تحت قيادة إمارة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لسنوات طويلة.
لكن متابعين للشأن الأمني في الجزائر أكدوا أن “الانهيار” السريع والظاهر لجماعة عبد المالك ڤوري الإرهابية له أسباب موضوعية، تتعلق بالأداء الأمني لها من جهة، وبالجهد الكبير الذي بذله أفراد فرقة “الصيادين” التي باشرت عملية مطاردة الإرهابيين مباشرة بعد اختطاف الرعية الفرنسي هيرفي غوردال. وقال مصدر أمني رفيع إن عدد عناصر جماعة جند الخلافة الذين تم القضاء عليهم أثناء المطاردات منذ منتصف شهر سبتمبر 2014 يفوق الـ16 إرهابيا، منهم 4 إرهابيين تم القضاء عليهم قبل أيام قليلة، كما تم القضاء على أمير التنظيم عبد المالك ڤوري قبل أيام من حلول عام 2015. وتعني لغة الأرقام أن التنظيم إما أن يكون قد فقد كل أعضائه باستثناء 4، أو أنه فقد 40 بالمائة من مجموع أعضائه الناشطين، وهو ما يعني أن الجماعة باتت فعليا خارج اللعبة الأمنية.
دروكدال ساعد الجيش!
التاريخ لا يعيد نفسه بالنسبة للإرهابي عبد المالك دروكدال؛ الرجل الذي التحق في سنة 1998 بالقائد السابق لـ«الجيا” حسان حطاب، متمردا على الإرهابي والأمير عنتر زوابري في منطقة
القبائل، وشارك في تأسيس الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي كان ميلادها بمثابة شهادة وفاة بالنسبة للجماعة الإسلامية المسلحة “الجيا”. أمير قاعدة المغرب فوجئ بعد 16 سنة بسيناريو مشابه وجديد، حيث قررت مجموعة من أتباعه تكرار السيناريو وتأسيس تنظيم “جند الخلافة”، لكن دروكدال قال “لا” وعمل على حصار جماعة عبد المالك ڤوري من خلال حرمان “جند
الخلافة”
من مناطق النشاط الآمنة، وهي المواقع الجبلية الحصينة التي تقع بولايتي
تيزي وزو وبجاية. ويقول مصدر أمني إن الجيش الوطني الشعبي لم يكن بحاجة
لحصار “جند الخلافة” من كل جهة، لأن جزءا من الحصار كان بيد التكفيريين
أنفسهم من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وبهذا باتت المواجهة
العسكرية بين “جند الخلافة” والجيش في مناطق أقل أمنا بالنسبة للإرهابيين
في أحراش ولايتي بومرداس والبويرة. ويبدو الحديث عن مساعدة قدمها عبد
المالك دروكدال للجيش الوطني الشعبي في مواجهة جماعة “جند الخلافة” غير
مفهوم، لكن الوقائع تؤكد أن أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي
لعب دورا في التضييق على عناصر “جند الخلافة”، لأنه لم يكن يتنازل عن مناطق
نشاط تنظيمه لصالح جماعة عبد المالك ڤوري وعثمان العاصمي.
ويقول مصدر أمني إن إرهابيي جند الخلافة اضطروا لمغادرة الكازمات والمخابئ التي كانوا فيها بعد تمردهم على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأنشأوا مخابئ جديدة على عجل منها “الكازما” التي قال الجيش إنه عثر على جثة غوردال بداخلها، وكانت قيادة جهاز مكافحة الإرهاب “سكورات” على علم بهذا التفصيل بالغ الأهمية. وكان خروج “جند الخلافة” من المخابئ الحصينة في سيدي علي بوناب وأعالي جرجرة إلى مناطق أقل تحصينا “أكبر هدية” يقدمها دروكدال للجيش.
العملية الأمنية كانت على قدر كبير من الابتكار
قررت قيادة الجيش، للمرة الأولى منذ اندلاع الإرهاب في الجزائر، تنفيذ تكتيك جديد ضد “جند الخلافة”، وقد أثبت التكتيك الجديد فاعلية أدت إلى قلب الموازين في مجال مكافحة الإرهاب. يتلخص التكتيك في تنفيذ عملية تمشيط عسكرية كبرى في موقع ضد الإرهابيين يعقبها تنفيذ سلسلة من العمليات الأمنية، وتعتمد الفكرة على مبدأ مفاده إن الإرهابيين سيضطرون للخروج من مخابئهم أثناء عمليات التمشيط لكي يقعوا بسهولة فريسة للعمليات الأمنية.
ويعد دروكدال ومختار بلمختار أهدافا أكثر أهمية بالنسبة للمصالح الأمنية من عبد المالك ڤوري. هذه هي الحقيقة، حسب مصدر أمني رفيع، إلا أن عملية تعقب ڤوري تميزت بقدر من الابتكار سمح بوضع حد لأمير جند الخلافة. وقد كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة للقيادة العسكرية عندما قررت قيادة مكافحة الإرهاب تكليف ضابط يبلغ من العمر 40 سنة فقط بمتابعة وقيادة عملية ملاحقة عبد المالك ڤوري، وتم تحقيق الهدف بالقضاء على أمير جند الخلافة و4 من مساعديه، والوصول إلى جثة الرهينة الفرنسي هيرفي غوردال.
“جند الخلافة” تعود بالإرهاب20 سنة إلى الوراء
كان مقتل عبد المالك ڤوري أمير تنظيم “جند الخلافة”، على يد قوة أمنية خاصة في مكان شبه عمومي، نتيجة طبيعية للمغامرة التي قرر الإرهابي ڤوري خوضها عندما تنقل مرتين على الأقل إلى مناطق عمرانية حضرية، وهو ما جعل مسألة “صيده” عملية سهلة نوعا ما. وقد كرر أمير “جند الخلافة” الأخطاء نفسها التي ارتكبها أمراء “الجيا” قبل 20 سنة عندما سقطوا جميعا في مناطق حضرية، فالتنقل داخل أي مدينة بالنسبة لأمراء التنظيمات الإرهابية ممنوع لأنهم يصبحون عرضة للرصد. ولكن قبل هذا ارتكب تنظيم “جند الخلافة” أخطاء بالجملة، كان أبرزها تقديم تسجيل الفيديو الخاص بإعدام الرهينة الفرنسي هيرفي غوردال في زمن قياسي لم يتعد 24 ساعة بعد ذبحه، وهو ما لم تجرؤ على تنفيذه حتى المنظمات الإرهابية الأكثر قدرة من كل النواحي، والسبب هو أن نشر شريط فيديو على الأنترنت يؤدي إلى رصد جهاز الكمبيوتر الذي نشر منه التسجيل، وبالتالي تحديد هوية ناشر الفيديو في النهاية. وكان هذا خطأ على قدر كبير من “السذاجة”، حسب خبراء في الأمن، لأن الجماعات الإرهابية تخضع التسجيل للرقابة عدة مرات من أجل عدم تسريب أية معلومة يستقيها المحققون من الشريط، كما تلجأ إلى سلسلة من الإجراءات الأمنية قبل بث الفيديو، حيث يتنقل التسجيل من جهاز حاسوب إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تأخير نشر التسجيل لأيام أو حتى أسابيع.
الجماعة والظاهرة الإعلامية
بينما قدم تنظيم “جند الخلافة” نفسه كأحد فروع الدولة الإسلامية في شمال إفريقيا (داعش)، كان في الواقع موجودا وسط أسنان كماشة ثلاثية أطرافها هي مصالح الأمن والرفاق السابقون (القاعدة المغاربي) و«رعونة” قياداته التي أثبتت أنها حليف ضعيف لـ«داعش”. ويقول الدكتور تاج الدين هطار، الباحث في العلاقات الدولية من جامعة تونس: “يعتمد تنظيم “داعش” أو الدولة الإسلامية الذي بايعه تنظيم “جند الخلافة” في الجزائر على مبدأ نشر الصدمة والرعب عبر الاستغلال الأقصى للإعلام من أجل الانتشار، وباتت “داعش” ظاهرة إعلامية جديرة بالدراسة. ولكن الخطيئة التي وقع فيها “جند الخلافة” هي أنهم ركزوا أكثر مما يجب على الظهور الإعلامي، فتحوّلوا إلى ظاهرة إعلامية لا وجود لها عسكريا في الميدان، وباتت “جند الخلافة” مجرد مجموعة من أتباع البغدادي في الجزائر”. ويضيف الباحث “أعتقد أن الصدفة فقط والحظ العاثر للرهينة الفرنسي هيرفي غوردال هما اللذان أعطيا “جند الخلافة” هذا الزخم الإعلامي الذي تلاشى عندما واجهت المنظمة الجهاز الأمني والعسكري الجزائري”.
“الصيادون” يستثمرون أخطاء ڤوري وزملائه
قال بن قدور علام، رائد متقاعد من الجيش الوطني الشعبي عمل لسنوات في مكافحة الإرهاب، إن “السقوط المتوالي لإرهابيي جند الخلافة لابد وأن له سببا جوهريا، يتعلق بعدم وجود أية ترتيبات أمنية تحكم التنظيم الجديد”، وأضاف “أعتقد أن أكبر خطأ ارتكبه “جند الخلافة” هو اختطاف الرعية الفرنسي وقتله في وقت كان التنظيم غير جاهز لمثل هذا التحدي الأمني الكبير”. ويضيف الرائد بن قدور “لقد أقدم جند الخلافة على مغامرة كبرى وهو الآن يسدد الفاتورة”. وقدم محدثنا تفسيره للانهيار الأمني بأنه يعود إلى أن جند الخلافة كشفت كل أوراقها للأمن الجزائري نتيجة عمل على قدر كبير من الحماقة؛ وهو اختطاف الرهينة الفرنسي، رغم أن الجماعة لم تكن جاهزة لمثل هذه العملية التي تحتاج للانكشاف كليا على أجهزة الأمن.
وفسر مصدر أمني سبب تركيز الجيش وأذرعه الأمنية على بقايا جند الخلافة بالقول إن “الجماعة رغم الزلزال الأمني الذي تعرضت له في الأشهر الأخيرة مازالت قادرة على تهديد الأمن الوطني، ولهذا تتعرض للملاحقة على أعلى مستوى”. ويؤكد هذا أن التنظيم بات غير قادر على إدارة المواجهة الأمنية، لكنه قد يلجأ إلى “عمل يائس انتحاري” لتوجيه رسائل للخارج والداخل.
- See more at:
http://www.elkhabar.com/press/article/14110/%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%86%D9%87%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%AC%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A7/#sthash.y79cqvIg.dpufالسؤال الذي يبحث الجميع عن إجابة له هو: “متى وأين ستكون الضربة القادمة لتنظيم “جند الخلافة” ردا على مقتل أميره عبد المالك ڤوري. ومنذ شهر ديسمبر 2014، وبدل انتظار الضربة القادمة قررت المصالح الأمنية المكلفة بمحاربة الإرهاب اعتماد إستراتيجية جديدة لجعل قيادات الإرهاب تركز نشاطها في محاولة استيعاب ضربات الأمن المتلاحقة.
ميزان الرعب
يدرك كبار القادة الأمنيين أن الإرهابيين يرغبون في فرض قاعدة “ميزان الرعب” التي تتضمن الرد على أية عملية استهداف لقيادات الإرهاب بعمليات دموية، وهذا ما يفسر، حسب مصدر أمني رفيع، الحرص الشديد لمصلحة مكافحة الإرهاب المشهورة بـ«سكورات” على توجيه سلسلة من الضربات المتوالية ضد ما يعرف بـ«داعش الجزائر” أو “جند الخلافة”، حتى لا يجد الإرهابيون وقتا للتفكير في العملية الدموية التالية.
«جند الخلافة” يفقد 16 عنصرا في 7 أشهر
أشار تسريب أمني صدر في شهر سبتمبر 2014 إلى أن جماعة “جند الخلافة” تتكون من أعضاء من كتائب الوسط في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وقال التسريب الذي لم تؤكده مصادر رسمية إن عدد عناصر هذه الجماعة يتراوح بين 10 و50 مقاتلا، آنذاك. وظهر في شريط فيديو أصدرته الجماعة الإرهابية عدد من الإرهابيين لا يتعدى الـ20، منهم مفتي التنظيم المدعو “عثمان العاصمي”، ثم أكدت تقارير وبيانات الجيش الوطني الشعبي وتسريباته المتعلقة بتصفية قيادات الصف الأول في هذا التنظيم الإرهابي، الذي تبنى في سبتمبر 2014 اختطاف متسلق الجبال الفرنسي هيرفي غوردال، أن جماعة “جند الخلافة” كانت مجرد جماعة إرهابية أقرب في “أدائها الأمني” للهواة، رغم أنها تتكون من إرهابيين عملوا تحت قيادة إمارة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لسنوات طويلة.
لكن متابعين للشأن الأمني في الجزائر أكدوا أن “الانهيار” السريع والظاهر لجماعة عبد المالك ڤوري الإرهابية له أسباب موضوعية، تتعلق بالأداء الأمني لها من جهة، وبالجهد الكبير الذي بذله أفراد فرقة “الصيادين” التي باشرت عملية مطاردة الإرهابيين مباشرة بعد اختطاف الرعية الفرنسي هيرفي غوردال. وقال مصدر أمني رفيع إن عدد عناصر جماعة جند الخلافة الذين تم القضاء عليهم أثناء المطاردات منذ منتصف شهر سبتمبر 2014 يفوق الـ16 إرهابيا، منهم 4 إرهابيين تم القضاء عليهم قبل أيام قليلة، كما تم القضاء على أمير التنظيم عبد المالك ڤوري قبل أيام من حلول عام 2015. وتعني لغة الأرقام أن التنظيم إما أن يكون قد فقد كل أعضائه باستثناء 4، أو أنه فقد 40 بالمائة من مجموع أعضائه الناشطين، وهو ما يعني أن الجماعة باتت فعليا خارج اللعبة الأمنية.
دروكدال ساعد الجيش!
التاريخ لا يعيد نفسه بالنسبة للإرهابي عبد المالك دروكدال؛ الرجل الذي التحق في سنة 1998 بالقائد السابق لـ«الجيا” حسان حطاب، متمردا على الإرهابي والأمير عنتر زوابري في منطقة
القبائل، وشارك في تأسيس الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي كان ميلادها بمثابة شهادة وفاة بالنسبة للجماعة الإسلامية المسلحة “الجيا”. أمير قاعدة المغرب فوجئ بعد 16 سنة بسيناريو مشابه وجديد، حيث قررت مجموعة من أتباعه تكرار السيناريو وتأسيس تنظيم “جند الخلافة”، لكن دروكدال قال “لا” وعمل على حصار جماعة عبد المالك ڤوري من خلال حرمان “جند

ويقول مصدر أمني إن إرهابيي جند الخلافة اضطروا لمغادرة الكازمات والمخابئ التي كانوا فيها بعد تمردهم على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وأنشأوا مخابئ جديدة على عجل منها “الكازما” التي قال الجيش إنه عثر على جثة غوردال بداخلها، وكانت قيادة جهاز مكافحة الإرهاب “سكورات” على علم بهذا التفصيل بالغ الأهمية. وكان خروج “جند الخلافة” من المخابئ الحصينة في سيدي علي بوناب وأعالي جرجرة إلى مناطق أقل تحصينا “أكبر هدية” يقدمها دروكدال للجيش.
العملية الأمنية كانت على قدر كبير من الابتكار
قررت قيادة الجيش، للمرة الأولى منذ اندلاع الإرهاب في الجزائر، تنفيذ تكتيك جديد ضد “جند الخلافة”، وقد أثبت التكتيك الجديد فاعلية أدت إلى قلب الموازين في مجال مكافحة الإرهاب. يتلخص التكتيك في تنفيذ عملية تمشيط عسكرية كبرى في موقع ضد الإرهابيين يعقبها تنفيذ سلسلة من العمليات الأمنية، وتعتمد الفكرة على مبدأ مفاده إن الإرهابيين سيضطرون للخروج من مخابئهم أثناء عمليات التمشيط لكي يقعوا بسهولة فريسة للعمليات الأمنية.
ويعد دروكدال ومختار بلمختار أهدافا أكثر أهمية بالنسبة للمصالح الأمنية من عبد المالك ڤوري. هذه هي الحقيقة، حسب مصدر أمني رفيع، إلا أن عملية تعقب ڤوري تميزت بقدر من الابتكار سمح بوضع حد لأمير جند الخلافة. وقد كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة للقيادة العسكرية عندما قررت قيادة مكافحة الإرهاب تكليف ضابط يبلغ من العمر 40 سنة فقط بمتابعة وقيادة عملية ملاحقة عبد المالك ڤوري، وتم تحقيق الهدف بالقضاء على أمير جند الخلافة و4 من مساعديه، والوصول إلى جثة الرهينة الفرنسي هيرفي غوردال.
“جند الخلافة” تعود بالإرهاب20 سنة إلى الوراء
كان مقتل عبد المالك ڤوري أمير تنظيم “جند الخلافة”، على يد قوة أمنية خاصة في مكان شبه عمومي، نتيجة طبيعية للمغامرة التي قرر الإرهابي ڤوري خوضها عندما تنقل مرتين على الأقل إلى مناطق عمرانية حضرية، وهو ما جعل مسألة “صيده” عملية سهلة نوعا ما. وقد كرر أمير “جند الخلافة” الأخطاء نفسها التي ارتكبها أمراء “الجيا” قبل 20 سنة عندما سقطوا جميعا في مناطق حضرية، فالتنقل داخل أي مدينة بالنسبة لأمراء التنظيمات الإرهابية ممنوع لأنهم يصبحون عرضة للرصد. ولكن قبل هذا ارتكب تنظيم “جند الخلافة” أخطاء بالجملة، كان أبرزها تقديم تسجيل الفيديو الخاص بإعدام الرهينة الفرنسي هيرفي غوردال في زمن قياسي لم يتعد 24 ساعة بعد ذبحه، وهو ما لم تجرؤ على تنفيذه حتى المنظمات الإرهابية الأكثر قدرة من كل النواحي، والسبب هو أن نشر شريط فيديو على الأنترنت يؤدي إلى رصد جهاز الكمبيوتر الذي نشر منه التسجيل، وبالتالي تحديد هوية ناشر الفيديو في النهاية. وكان هذا خطأ على قدر كبير من “السذاجة”، حسب خبراء في الأمن، لأن الجماعات الإرهابية تخضع التسجيل للرقابة عدة مرات من أجل عدم تسريب أية معلومة يستقيها المحققون من الشريط، كما تلجأ إلى سلسلة من الإجراءات الأمنية قبل بث الفيديو، حيث يتنقل التسجيل من جهاز حاسوب إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تأخير نشر التسجيل لأيام أو حتى أسابيع.
الجماعة والظاهرة الإعلامية
بينما قدم تنظيم “جند الخلافة” نفسه كأحد فروع الدولة الإسلامية في شمال إفريقيا (داعش)، كان في الواقع موجودا وسط أسنان كماشة ثلاثية أطرافها هي مصالح الأمن والرفاق السابقون (القاعدة المغاربي) و«رعونة” قياداته التي أثبتت أنها حليف ضعيف لـ«داعش”. ويقول الدكتور تاج الدين هطار، الباحث في العلاقات الدولية من جامعة تونس: “يعتمد تنظيم “داعش” أو الدولة الإسلامية الذي بايعه تنظيم “جند الخلافة” في الجزائر على مبدأ نشر الصدمة والرعب عبر الاستغلال الأقصى للإعلام من أجل الانتشار، وباتت “داعش” ظاهرة إعلامية جديرة بالدراسة. ولكن الخطيئة التي وقع فيها “جند الخلافة” هي أنهم ركزوا أكثر مما يجب على الظهور الإعلامي، فتحوّلوا إلى ظاهرة إعلامية لا وجود لها عسكريا في الميدان، وباتت “جند الخلافة” مجرد مجموعة من أتباع البغدادي في الجزائر”. ويضيف الباحث “أعتقد أن الصدفة فقط والحظ العاثر للرهينة الفرنسي هيرفي غوردال هما اللذان أعطيا “جند الخلافة” هذا الزخم الإعلامي الذي تلاشى عندما واجهت المنظمة الجهاز الأمني والعسكري الجزائري”.
“الصيادون” يستثمرون أخطاء ڤوري وزملائه
قال بن قدور علام، رائد متقاعد من الجيش الوطني الشعبي عمل لسنوات في مكافحة الإرهاب، إن “السقوط المتوالي لإرهابيي جند الخلافة لابد وأن له سببا جوهريا، يتعلق بعدم وجود أية ترتيبات أمنية تحكم التنظيم الجديد”، وأضاف “أعتقد أن أكبر خطأ ارتكبه “جند الخلافة” هو اختطاف الرعية الفرنسي وقتله في وقت كان التنظيم غير جاهز لمثل هذا التحدي الأمني الكبير”. ويضيف الرائد بن قدور “لقد أقدم جند الخلافة على مغامرة كبرى وهو الآن يسدد الفاتورة”. وقدم محدثنا تفسيره للانهيار الأمني بأنه يعود إلى أن جند الخلافة كشفت كل أوراقها للأمن الجزائري نتيجة عمل على قدر كبير من الحماقة؛ وهو اختطاف الرهينة الفرنسي، رغم أن الجماعة لم تكن جاهزة لمثل هذه العملية التي تحتاج للانكشاف كليا على أجهزة الأمن.
وفسر مصدر أمني سبب تركيز الجيش وأذرعه الأمنية على بقايا جند الخلافة بالقول إن “الجماعة رغم الزلزال الأمني الذي تعرضت له في الأشهر الأخيرة مازالت قادرة على تهديد الأمن الوطني، ولهذا تتعرض للملاحقة على أعلى مستوى”. ويؤكد هذا أن التنظيم بات غير قادر على إدارة المواجهة الأمنية، لكنه قد يلجأ إلى “عمل يائس انتحاري” لتوجيه رسائل للخارج والداخل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق